كواسر أخضعها العشق بقلم نورهان العشري
موعد الزواج.. وهكذا لا يكون الأمر مجحفا لأحد ما رأيك
مرت شاحنة القدر فوق قلبها مرة أخرى بينما هي تقف كعادتها مكتوفة الأيدي تنظر إلى ما يحدث حولها وكأنه لا يعنيها بينما الأحداث تمر من خلالها وتضعها في طرقات مجهولة لا تعلم حتى إن كانت تمتلك القدرة على خوض غمارها.
لا فرق عندي.. فلتفعلي ما ترينه مناسب.. كما تفعلين دائما.
بارك الله لكما وبارك عليكما
تمايلت هناء بجانب شاهين بدلال وهي تتلقي التبريكات والتهاني من الجميع بينما هو كان صامتا فقط ابتسامات خالية من المرح لم تصل إلى عينيه مجاملة للمهنئين ويديه تحتوي زوجته الجديدة وداخله شعور غريب لا يمت للفرح
هكذا تحدثت هناء بجانب أذنيه فأجابها بسخريته المعهودة
تعرفين أنني لن أقف بمنتصف الغرفة وأهز بخصري يمينا ويسارا.. لذا انسي الأمر.
اغتاظت من حديثه وقالت بلوم
هل ستحزنني بيوم زفافنا
شاهين ساخرا
لم أخطط لذلك ولكن الأمر متروك لك.
زمت شفتيها وقالت بعدم رضا
إذن سأرقص أنا.
لم يتأثر قيد أنملة فقد اكتفى قائلا بملل
أنهى جملته ثم أردف بغمزة محذرة
هذا أفضل للجميع.
فهمت على الفور أن النقاش معه مضيعة للوقت فهي تعلم كم هو متملك غيور وقد كانت شخصيته تلك التي جذبت
انتباهها إليه إضافة إلى الأساسيات كونه محاميا لامعا وابن عائلة ثرية مع مزيج مثير من الرجولة الفذة التي تتمثل في طول فارع وملامح خشنة بقدر وسامتها مع القليل من العبث والكثير من السخرية التي كانت جزءا لا يتجزأ منه.
هكذا تحدث وهو يقودها بين الجموع دون أن يكترث لنظراتهم المستفهمة فقد تجاهل حتى الأسئلة الصريحة وتحرك بفظاظة وغرور يميزه ليخرج وهي معه إلى سيارته التي كانت فارهه تشبه كل شيء يمتلكه.
عزيزي لقد تصرفت بفظاظة مع أصدقائي.. أظنهم غاضبون الآن
هكذا تحدثت هناء بدلال يشوبه اللوم فأجابها بفظاظة وعينيه مسلطتان على الطريق أمامه
كلماته أثارت حنقها أكثر ولكنها حاولت أن تخفي ذلك قائلة برقة مفتعلة
_وماذا لو أخبرتك بأنني أغضب من طريقتك هذه.
أفرجت شفتيه عن ابتسامة ساخرة تشبه لهجته حين قال
_ باستطاعتي امتصاص غضبك حتى آخر قطرة فقط أخبريني عندما تكوني غاضبة.
ردود ذلك الرجل قد تصيبها بجلطة دماغية ذات يوم لذا آثرت تغيير دفة الحديث وابتلاع حنقها إذ قالت بدلال
_ إلى أين تأخذني
ستعرفين بعد قليل.
ابتلعت غصة غاضبة بحلقها ورسمت ابتسامة جميلة فوق ملامحها وهي تنظر أمامها بعد أن آثرت الصمت حتى تحافظ على الباقي من ثباتها أمام كتلة الوسامة والجليد القابع بجانبها.
ماهي إلا ثوان حتى توقفت السيارة أمام أحد الفنادق والذي لم يكن فارها ولا من ضمن لائحه الفنادق التي يرتادها أفراد الطبقة المخملية فانكمشت ملامحها پصدمة ترجمتها شفاهها على هيئة استفهام مستنكر
لماذا توقفت هنا
أجابها بخفة أفزعتها
لقد وصلنا.
لم تستطع إخفاء صډمتها ولا نفورها وهي تترجل من السيارة خلفه لتقع عينيها على بساطة المكان التي تتنافى بقوة مع جموح تخيلاتها عن كيفية قضاء ليلة زفافها بأرقى الأماكن في المدينة والآن ټحطم سقف توقعاتها العالية فوق رأسها وهي تخطو بجانبه إلى القاعة التي كانت دافئة تحمل طابعا شرقيا أنيقا تزينه شموع تفرقت بصورة مدروسة في جوانب المكان أضفت جوا حالميا دافئا في المكان الذي كان يتوسطه طاولة صغيرة تحمل مأكولات وحلويات كثيرة معدة لشخصين وبجانبها طاولة اصغر يوجد بها أنواع عديدة من المشروبات وقد صمم كل شيء بطريقة جميلة وأنيقة ولكنها لم تكن كافية لإرضائها فالتفتت تناظره پغضب انبعث من عينيها ولكنها حاولت تفاديه في نبرتها حين قالت
أهذا هو المكان الذي خططت لأن نحتفل به بزفافنا
لون
الصفاء معالمه وكذلك نبرته حين قال وعينيه تبحران حوله بإعجاب مثير لأعصابها
نعم.. ما رأيك أليس رائعاة
كنت أعلم أنه سيعجبك.. هيا لنحتفل.
ابتلعت حنقها منه ومن هذا المكان اللعېن وتوجهت معه إلى الطاولة المعدة خصيصا لهما وجلست أمامه تنتظر النادل الذي أتى ووزع المشروبات بناءا على طلبها فلم تكن لها شهية للأكل وكذلك هو وهكذا انتصف الليل وهي جالسة معه تتجاذب أطراف الحديث بعد أن اقنعت نفسها بأن تغض بصرها عن كل شيء حولها ما عداه فهو هدفها وزوجها وغايتها الدائمة.
يمر قطار العمر حاملا معه ذكريات وأحلام وربما أمنيات كانت مدفونة بين طيات قلوبنا التي أرهقها كثرة ما تحمله من أثقال لا نعلم بأي محطة سنسقطها أو ربما سنسقط نحن ونفارق ويا ليت الحياة تصنع لي معروفا وتغادرني مثلما غادرتها منذ أمدا بعيد.. فلا أنا أشعر بأنني على قيدها ولا هي تشعر بوجودي..
نورهان العشري
انقضى أسبوع لا تعلم كيف مر عليها ولا كيف استطاعت التماسك
وهي ترى حياتها تمر من أمامها فقد جاء أشرف لخطبتها وتم الاتفاق على عقد القرآن بنهاية الأسبوع أي اليوم!
أجل اليوم سيعقد قرانها على ذلك الفارس الذي حلمت به ذات يوم لتستيقظ على كابوس انتمائها لآخر!
رجفة قويه ضړبت أنحاء جسدها الذي اهتز ما أن مر ببالها عينين متوهجة بنيران لا تعلم منبعها ولكنها لا تنضب أبدا كما لم ينضب خۏفها منه!
ماټ فراس.. اهدئي يا نور.. لم يعد موجودا.. لا داعي للخوف.
صورتها المزرية في المرآة كانت كالشرارة التي أيقظت كبريائها الأنثوي الذي أبى عليها الظهور بمظهر العجوز الشمطاء وأيضا حفاظا على ما تبقى من ماء وجهها أمام الجميع والذين حتما يعلمون أنها مجبرة على هذه الزيجة
التقطت يداها أدوات زينتها وأخذت ترسم ملامحها بإتقان وكأنها لوحة وقعت فريسة لأيدي تتوق إلى التمرد وكسر جميع قيودها.
نور.. هل انتهيت
هكذا تحدثت هدى وهي تدخل إلى الغرفة لتتصنم بمكانها حين التقمت عينيها تلك التي بدت كحورية هاربة من أحد العصور القديمة بذلك الزي الذي يعانق خصرها بقوة أظهرت مدي رشاقته يضيق من الأعلى ليبرز جمال منحنياتها ودقتها وينسدل في دوامات بسيطة تصل إلى أعلى كاحلها يتجانس لونه الزمردي مع شعرها الأشقر الذي رفعته إلى الأعلى في ثنايا متموجة حدت من طوله ليصل إلى منتصف ظهرها بينما تركت بعض الخصلات الهاربة من الجانبين لتشعراها بنوع من التحرر الذي تحتاجه.
فيما كان وجهها كتمثال جميل نحت بأيدي فنان مبدع أتقن رسم تفاصيله بحرفية بدأ من جبهة عريضة بيضاء نضرة وعينين تعانقت بهما أشجار الزيتون يحاوطهما سياج من الرموش الكثيفة التي ظللتها بطريقة أضفت لها طولا وكثافة وأنفها الدقيق الذي يرتفع عند مقدمته يتوسط خديين تناثرت على ضفافهما الورود الحمراء التي شابهت لون ثغرها الممتلئ الذي يعلو ذقن دقيق فكان وجهها آية في الجمال الذي ضاعفه رقبة طويلة تزينت نهايتها بقوس مميز على هيئة عظمتي الترقوة البارزتان بإغراء من مقدمة ثوبها
أجل انتهيت.
أجابتها نور متجاهلة صډمتها ولكن هدى لم تستطع إلا أن تقول بانبهار
أنت آية في الجمال يا نور فليحفظك الله.
شوهت ملامحها الجميلة إبتسامة ساخرة أضفت مرارة قاسېة إلى لهجتها حين قالت
أحقا تدعين بأن يحفظني الله وأنا الذي ظننت بانك تكنين لي بعض المشاعر يا هدى!
تنافت ملامحها الجميلة مع تلك المرارة التي تقطر من حروفها وتنبعث من عينيها التي لم تفلح في تزيين نظرات الألم بهما لذا اقتربت منها هدي قائلة بلهجة يشوبها الشفقة
هوني على نفسك يا نور وأحسني الظن بالله فمن يعلم ماذا يخبئه الغد
اومأت برأسها في محاولة لتصنع اللامبالاة وهي تهندم ثوبها من الأمام قبل أن تقول بملل
صدقيني لم أعد أهتم.. هيا لننزل حتى لا نجعلهم ينتظرون أكثر.
لم تستطع هدى أن تمرر ما حدث فرغما عنها تقدمت واحتوت نور بضمة قوية كانت الأقسى على ثباتها الذي تشحذه بكل الطرق فتبدلت نظراتها إلى أخرى ليلية ملبدة بسحب كثيفة قد ټنفجر في أي لحظة وهي في غنى عن ذلك لذا اكتفت بأن تربت بلطف فوق كتف هدى وتنتزع نفسها من بين ذراعيها بخفة تزامنا مع الطرق على باب الغرفة الذي انفتح وأطل منه عمها زين النعماني الذي كانت الشفقة تحيط بقلبه لأجل تلك الفتاة لسبب لا يعلمه ولكنه تجاهل ما يشعر به وهو يقول بوقار
مبارك لك يا نور.. تبدين رائعة.
تمتمت بخفوت
شكرا لك.
تساءل في حرج
هل أنت جاهزة لقد وصل الشيخ بالأسفل.
ابتلعت غصة صدئة تشكلت في حلقها وقالت بجمود
نعم.. هيا لننزل.
تأبطت ذراعه وخطت بأقدام تتوسل لها أن تهرب وتركض بعيدا عن هذا المكان وهؤلاء الناس ولكنها كانت أجبن من أن تفعل ذلك .. على الرغم من هذا الشعور المقيت الذي يهيج داخلها منذ البارحة حتى سلب النوم من عينيها بأن هناك کاړثة ستحدث!
زفرت بقوة وكأنها تريد أن تخرج خۏفها مع ذرات ثاني أكسيد الكربون ليتناثر في الهواء بعيدا
عنها ولكن كلما خطت
خطوة تعاظم الخۏف بداخلها أكثر حتى أن دقاتها صارت تتخبط بصدرها بطريقة مؤلمة جعلتها تتوقف عند أسفل الدرج لثوان تحاول تنظيم أنفاسها الهاربة ودقات قلبها الثائرة
ماذا هناك لم توقفتي
هكذا جاءها استفهام عمها لتبلل حلقها وهي تجاهد حتى تخرج كلماتها حين قالت بخفوت
لا شيء هيا لنكمل.
أطلت بشمسها على أعين الموجودين التي اتسعت بعضها إعجابا وبعضها اندهاشا وآخر استنكارا ولكنها لن تكن في وضع يسمح لها بمراقبة ما يحدث فقد كانت بوادي آخر تجاهد لإخراج أنفاسها التي تثقل أكثر وأكثر حتى أصبحت على وشك الاختناق فلم تلحظ أنها جلست على طاولة عقد القرآن بجانب عمها وفي المقابل كان أشرف يناظرها بأعين تلتمع بوهج الحب والإعجاب الذي كان يقطر من نظراته ولكنها أيضا لم تلاحظ!
هيا لنبدأ.
هكذا تحدث الشيخ وهو يمد إليها دفتره بيد وبالأخرى يناولها قلمه لتملئ الاوراق فلم تعرف ماذا دهاها شعرت بأن يديها تيبست ولم تستطع التحكم بها فتوقفت جميع الأعين عليها بترقب جعل دمائها تثور خجلا ورهبة ولكن جاء صوت زين لينقذها حين قال بوقار
هيا يا أشرف وقع أنت أولا ونور ستوقع بعدك.
اومئ أشرف بصمت وقام بالتوقيع على الأوراق ثم مد يده الممسكة بالقلم إليها ووقع للحظة فريسة لعينيها الفاتنة التي بدت ضائعة تتململ كزورق تتقاذفه مياه الحيرة فلا هو يغادر مكانه ولا يذهب في طريق مرساه.
هيا يا نور.. وقعي.
أخرجها من بحر حيرتها صوت عمها